تشكّل الرسالة القيِّمةِ التي وجهّها المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة في إيران، الإمام علي خامنئي، الى الشباب في الغرب، إثرَ الهجمات الإرهابية التي استهدفت بلداناً في الغرب، نقطةَ الدائرة في عملية فَهْمِ الأمور الحادّة التي تحوطُ بالقضايا العالمية الساخنة، بعد الأحداث الإرهابية التي تعرّضتْ لها بعضُ الدول الغربية، من قبل حركاتٍ إرهابية ذات توجّهاتٍ سلفيّة، إضافةً الى ما يشكِّله مضمونُ وزمنُ إطلاق الرسالة وهدفيّاتها في هذه الظروف الدقيقة، التي تُلْصَقُ بالإسلامِ زوراً إتهاماتٌ تعميميّة، تنعكس على صورة الدين وسلامة العلاقة بين المسلمين وغيرهم من اتباع الأديان، في المجتمعات الغربية.
وإنطلاقاً من خبرتي ومتابعتي للحالات الشبابيّة المسلمة في المجتمعات الغربية، فإنني أستخلص بعض النقاط في الآراء التقويميّة، والملاحظات، والإقتراحات، من خلال الثلاثيّة التاليّة:
أولاً: في الآراء التقويمية
تشكل رسالة السيّد خامنئي، الى الشباب في الغرب، في هذه الظروف الإستثنائية، التي تتفاقم فيها حركات الإرهاب والعنف والتكفير، وقفةً إسلامية جريئة وصلبة، لأنها صادرة عن شخصية إيمانية ومرجعيّة إسلامية ذات بُعْد عالميّ، وتتضمّنُ منطلقاتٍ واقعية لمقاربة ظواهر الاٍرهاب واسبابه وتاريخيّته، وإستشراف تداعياته المستقبليّة على العالم الاسلامي، كما على العالم الغربي بكلِّ تنوّعاته الإتنية والقوميّة والطائفيّة.
وإنّ ما تضمنّته الرسالة من إسترجاعاتٍ تاريخية، لعلاقة وتصرّف بعض الغرب، مع المسلمين، قد جاء على خلفيّة رصديّة مقارنة، بهدف التذكير ولفت النظر والإتعاظ من الأحداث، والتعلُّم من دروس الزمن، وهذا ما يحتاج اليه المجتمع الشبابي المسلم الذي يعيش في الغرب، حيث تفرض عليه الظروف ان يتحمّل مسؤولية التكيّف مع الاحوال والظروف، والعمل لبناء جسور تواصل مع المجتمعات الغربية، وكيفية نسج علاقات صداقة، والعمل لردم الهوّة بين الشباب المسلم والمجتمعات التي يعيشون فيها.
وجاء تركيز آية الله خامنئي، ليشدِّد على دعوة الشباب المسلم الى التفاعل مع البيئات التي يوجدون فيها، إنطلاقاً من مسؤوليتهم الأخلاقية والدينية، بأن يعكسوا صورة نقية وسلامية، لدينهم ومجتمعاتهم.
ثانياً: في الملاحظات
اللّافتُ في رسالة سماحته، أنه يتوجَّه الى (كلّ الشباب) في البلدان الغربية، وليس الى الشباب المسلم وحده، وَلَوْ كان التخصيصُ يتركّز على المسلمين اكثر. ويعتبر سماحته، في إستعراضه البانورامي للأحداث الإرهابية والأعمال العنفية التي مارسها الغرب، في حقبات متتالية بحق الشعوب والدول المسلمة، أن العنف يولِّدُ العنف، وان منطق الإرهاب والقتل والظلم، يرتدُّ بقسوةٍ وبدرجاتٍ أكبر على الجماعات التي تنتجُ العنف وتسّوقه، وتعتمده في سياساتها وتعاملها مع شعوب الدول المُسْتَضْعفة، مما يؤكد ان تلك الشعوب كانت ضحية الاٍرهاب وسياسة الإستعمار الترهيبيّة، مع تأكيدٍ شبه مُطلق على التلازم بين حُماةِ الإرهابِ التكفيري، والأنظمة الغربية التي إستغلّتْ مفهوم الديمقراطية وعملت على توظيفها لصالحها، وبما يتناقض والمفهوم الصحيح للديمقراطية.
وجاء تركيز سماحة الإمام على توعية الشباب المسلم في الغرب، على المخاطر المُحْدِقة بالإسلام والمسلمين، جرّاء موجاتِ التكفير والإرهاب، ليشير الى مسؤولية (إسلام الإعتدال) في حماية القيم الصحيحة للدين، وضرورة حمايته من الاعمال المشينة التي يُلْحِقها به زوراً، بعضُ المسلمين بسبب تصرّفاتهم وعقائدهم الإنغلاقية التي لا تمتُّ ابداً لهذا الدين التسامحي.
وتحملُ رسالة الإمام خامنئي، دعوةً جريئةً وصريحةً لكلّ العالم الإسلامي، حتى يعمل لتعميم ثقافة الإنفتاح والحوار، والتقيّد بأهداب الدين الإسلامي وتعاليمه ونشر قِيَمِه الإنسانية.
الى ذلك، تتصمّنُ الرسالة إستنهاضاً لروح التعاون، والتعقّل في فَهُم الأمور ومقاربتها، على ضوء إجتهادات العصر والتفسيرات الهادئة، بعيداً عن الرجعية والإتباعيّة القاتلة لأصحابها.
ان منطلقات رسالة سماحته، لا يمكن فهْمها، إِلَّا من باب الحرص على بناء أرضيّةٍ تفاعليّة، تُمَكِّنُ الشباب المسلم في الغرب، من:
أ- فَهُم أصول وتعاليم دينه بشكل سليم.
ب- قدرته على نشر ثقافة السلام، وان يكون خيرَ مَنْ يعكس صورة الاسلام النقيّ، في بيئة مختلفة ومتنوّعة.
ثالثاً: في المقترحات
نظراً للقيمة الإستثنائيٌة التي تشكلِّها هذه الرسالة، بمضمونها وتوقيتها وأهدافها، فإنني أَقْتَرِحُ:
أ- ترجمتها الى اللغات الأجنبية ونشرها في الدوريات الحوارية والبحثية والنقاشية، لأنها تشكل مدخلاً لفَهْم الكثير من الإلتباسات التي تلحق بالإسلام، من دون حقّ.
ب- إقامة ندواتٍ تقويميّة حول مضامينها، بمشاركة واسعة ومتنوّعة.
ج- تعميم ثقافة (النظرة الموضوعيّة) الى الأمور الساخنة في مجتمعٍ دائم التشظّي.
ج- تشجيع الشباب المسلم، من خلال رسائل توجيهية مماثلة، على أخذ المبادرة الريادية في صناعة السلام، وخلق دينامية تفاعليّة مع مكوِّنات المجتمعات الغربية، تُصَحِّح الصورة النمطية الخاطئة التي نشرها التعصُّبُ الغربي، والصهيوني، ويؤكّدها بعض (الإسلام الإرهابي والتكفيري) في سلوكياته ومبادئه الخارجة عن أصول الاسلام.